عصر المعرفة
صفحة 1 من اصل 1
عصر المعرفة
اذا كانت عملية إنتاج المعرفة تعتمد على وجود المعلومات بصورة وافرة، وإذا كانت عملية الاستقراء تعني التجريب والجانب الملموس أكثر من أي شيء آخر، فإن الملاحظة الهامة هي أن الظواهر الاجتماعية لا يمكن تلخيصها كما يتم تلخيص الظواهر الطبيعية. فالنشاط السياسي - مثلا - يعتمد على الانسان وكيفية ادارة شئونه. والانسان ليس كالاشياء. "فالآشياء" الجامدة والحيوانات والنباتات يمكن إجراء التجريب وأساليب المختبر بصورة علمية صارمة، أما الإنسان فليس وسيلة لإجراء التجارب. إنه الهدف الذي من أجله تجرى التجارب. ولذا فإن المفكرين يطروحون مفهوم الإدارة المعرفية للشؤون الإنسانية والتي تعتمد على الجوانب الثقافية والمؤثرات السلوكية على الإنسان. بمعنى اخر انها تتعامل مع "الذكاء الاجتماعي" الذي يتكون من مجموعة انسانية تتعامل مع بعضها الاخر وتشترك في ادارة شئونها عبر وسائل انسانية لائقة. الرموز التي تتحول إلى معلومات عبر المشاهدة والتحليل وعبر الخبرة المتراكمة، جميعها مؤشرات لوجود المعرفة العملية. المعرفة يمكن تلخيص كثير منها في معادلات، قواعد، قوانين، قاموس مهنة. هذه هي المعرفة الظاهرة التي يمكن نقلها دون مشكلة. ولكن المعرفة الاهم هي التي يستنبطها الإنسان، وهي غير قابلة للكتابة أو التوثيق. هذه المعرفة هي خبرة داخل الممارسة الإنسانية لكل واحد منا، ولا وسيلة لاكتسابها أو الاستفادة منها إلا بالتعامل مع بعضنا الآخر. إن عصر المعلومات هو عصر وجود وسائل تكنولوجيا المعلومات، كالكمبيوتر والأقمار الصناعية والهواتف النقالة وغيرها. إلا أن هذه جميعها لا تكون عصر معرفة دون وجود العامل الإنساني الحر والمتمكن من ارادته والمستمر في ابداعه. ولذلك فإن إضافة الإنسان المحترف والمتمرس والفاهم لعصر المعلومات هو الذي يخلق عصر المعرفة. ولتوضيح أهمية الجانب المعرفي في حياة اليوم نشير إلى تقرير دولي صدر في العام 1996 عن منظمة OECD يقول بأن أكثر من نصف الإنتاج في الدول المتقدمة خلال السنوات القليلة الماضية اعتمد على الاقتصاد المعرفي knowledge-based economy . أي ذلك الاقتصاد القائم على العامل الإنساني المتداخل والمسيطر والمستخدم لتكنولوجيا المعلومات. وهناك فرق رئيسي بين الذي يشغل هذا الاقتصاد المعرفي ومع الفرد الذي اعتمد عليه الاقتصاد الصناعي. الاخير اعتمد على صاحب رأس المال وعلى العامل الذي يكدح من أجل الحصول على معاش يومي او اسبوعي أو شهري. أما الاقتصادي المعرفي فيعتمد على أصحاب المهارات (وليس أصحاب الأموال)، وأصحاب العقول العملية، وهؤلاء ليسوا عمال أو موظفين، إنما هم يشتغلون في المعرفة (Knowledge-Worker) . ومع استمرار التطور فان كثير من المشغلين للمعرفة سيملكون الشركات التي يديرونها او انهم سيتحولون لمستشارين غير مرتبطين بشركة واحدة فقط. في عصر المعرفة يصبح الجميع تلاميذ لبعضهم الآخر وليسوا أساتذة لبعضهم الآخر. إن نمط الأستاذ- التلميذ ربما كان يتناسب مع عصور مضت عندما كانت المعلومات قليلة ووسائل الحصول على المعلومات ممنوعة او غير متوفرة للجميع. أما في عصر المعرفة فإن المجتمعات الناجحة هي تلك التي تفتخر بأنها تلميذة وانها لاتشبع من الازدياد العلمي. وحتى على المستوى الاقتصادي هناك المستشارون الذين يبيعون خدماتهم لتحويل الشركات التقليدية إلى شركات "تلميذة" (Learning Organisations) . التلمذة يعني أن الجميع ينمو مع ازدياد حجم وعمق المعلومات المتوفرة في عالم اليوم. والتلمذة تعني أن الجميع يتعلم وأن الإنسان لا يتوقف عن تلمذته حتى موته. هذا ما وصلت إليه مجتمعات متقدمة تسيطر على عالم اليوم. وهذا ما دعا له رسول الله قبل أربعة عشر قرنا: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، وهذه هي الترجمة الحقيقية للإرشاد الإسلامي "أطلب العلم من المهد إلى اللحد .
حمدي جمال الجزار_أ.عربي- المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 08/11/2013
العمر : 31
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى