التعليم الإلكترونى

مشاريع التعليم عن بعد في عالمنا العربي.. ضرورة التأهيل

مع التطور الحادث المتسارع والمذهل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لم تعد أساليب التعليم التقليدية كافية وبخاصة مع الأعداد المتزايدة من الطلاب خصوصاُ في التعليم الجامعي، كما أنها لم تعد مناسبة مع التوجهات العالمية الحديثة في التعليم، التي لم تعد ترفاً، بل أصبحت ضرورة استراتيجية في ضوء اقتصاد يستند الى المعرفة .

ومن ضمن التوجهات العالمية الحديثة في التعليم حالياُ وبخاصة في التعليم العالي، التوجه نحو التعليم الالكتروني E-Learning والتعليم عن بعد Distance Learning، والتي تنفق عليها الدول المتقدمة مليارات الدولارات سنوياً، لدرجة أن مصطلح التعليم عن بعد، سوف يتراجع في المستقبل القريب ليظهر مصطلح آخر أوسع شمولية هو «التعليم الافتراضي» Virtual Learning نتيجة التطور المذهل في مجال الوسائط المتعددة Multimediaوأساليب الاتصال والحوار عن بعد، ويرى العديد من خبراء التعليم والمستقبليات أن التعليم في الحاضر والمستقبل سيعتمد بشكل كبير على التقنيات الإلكترونية التي ستؤدي الى تغيير جذري في العملية التعليمية، محدثة أشكالا جديدة من التعليم في المستقبل، تتطلب ضرورة وسرعة تأهيل أبنائنا وإعدادهم للتواصل والتفاعل الجيد مع ثورة التعليم الإلكتروني الحالية والواعدة، والتي ستحدث العديد من التغييرات المستقبلية المهمة في جميع المجالات، والتي من بينها المساهمة بشكل كبير في تسريع التأهيل البشري لتطبيق الحكومات الالكترونية.

والتعليم الالكتروني باختصار هو استخدام وسائل التقنية والاتصال الحديثة من كمبيوتر وشبكاته ووسائطه المتعددة من صوت وصورة وآليات بحث ومكتبات الكترونية وبوابات الانترنت وغيرها من البرمجيات المختلفة، لتوصيل البرامج التعليمية للمتعلمين في أسرع وقت وبأقل جهد وبفائدة أكبر. والتعليم عن بعد هو جزء مشتق من التعليم الالكتروني، وفي الحالتين فإن المتعلم يتلقى المعلومات من مصدر بعيد عن المعلم.

يقول بيتر بلانتيك Peter Plantec في كتابه «البشر الافتراضيون» Virtual Humansعام 2004 ومن تقديم خبير الذكاء الصناعي والمستقبليات راي كيرزويلRay Kurzweil، ان الإنسان الافتراضي سيلعب دوراً كبيراُ في المستقبل في مجال التعليم، فالطريقة التقليدية للتعليم في طريقها للزوال، وعندما يوضع كتاب مدرسي على قرص، ينتهي الكتاب المطبوع ويصبح بالإمكان تعديل المعلومات، ويمكن لـ«المعلم الافتراضي» في هذه الحالة التزود من المعلومات أولاُ بأول، وبذلك نتخلص من المعلم التقليدي ونعطي لكل طالب معلماً واحداً خاصاُ به، مما يفيده أكثر، لأن المعلم الافتراضي سيتذكر ما تعلمه الطالب وما لم يتعلمه، وبالتالي لن ينتقل الى المادة الدراسية التالية، الا اذا أتقن الطالب المادة السابقة، وإذا كان لدى الطالب مشكلة، فإن المعلم الافتراضي يستطيع أن يجرب معه طرقاُ تعليمية أخرى لشرح المادة، بما فيها عرض الوسائل المساعدة للطالب على الشاشة، ومن خلال الحوار المتبادل بين الطالب والمعلم الافتراضي يستطيع «المعلم الافتراضي» التعرف على الحوافز المناسبة لإثارة دافعية الطالب.

وهناك في عالمنا العربي الآن العديد من مشاريع وتجارب التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد المتنامية، التي تهدف للتوسع في توفير التعليم والتدريب الذي يتناسب مع التطور السريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، مع زيادة القدرة الاستيعابية لنظم التعليم وخفض تكاليفها، ولكن نشير هنا الى تجربة السعودية في تطبيق التعليم عن بعد التي تعد من التجارب الرائدة والواعدة في عالمنا العربي، فقد أعلنت السعودية رسمياُ أخيراً تطبيق التعليم عن بعد، ويذكر أنها في سبيل هذه الخطوة الرائدة نحو المستقبل قامت بتدشين 6 مبادرات لتأسيس البنية التحتية للتعليم الجامعي الالكتروني والتعليم عن بعد تشمل مبادرة تجسير التعليم الالكتروني، البوابة التعليمية، نظام جسور الإدارة في التعليم الالكتروني، اطلاق جائزة التميز في التعليم الجامعي، المستودع الوطني للوحدات التعليمية، خدمة تيسير التعلم الالكتروني، كما قامت السعودية بإنشاء المركز الوطني للتعليم الالكتروني والتعليم عن بعد لمؤسسات التعليم الجامعي، ومن مهامه تعميم نظام ادارة التعليم الالكتروني بما يتواءم مع احتياجات التعليم الجامعي بالمملكة، وتدريب الأكاديميين والإداريين على مهارات ونظم ادارة التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، وبناء المنهج الالكتروني بمحتوياته وأشكاله الرقمية والمطبوعة لعدد من المقررات الجامعية، وبناء بوابات التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد وبرنامج التوعية بالتعليم الالكتروني والتعليم عن بعد.

لقد اصبح التوجه نحو ترسيخ التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد في عالمنا العربي، ضرورة عاجلة للتميز واللحاق بالتوجهات العالمية نحو تعليم المستقبل، ولتوطين «الثقافة التقنية» وإشاعتها في مؤسسات التعليم الجامعي والمجتمع لمواكبة العصر، وللإسراع في التأهيل البشري لتطبيق الحكومة الالكترونية في مجتمعاتنا العربية، وهذا يتطلب أولاُ دراسة تحليلية دقيقة لمعرفة مدى استيعاب الأكاديميين والطلاب والإداريين لمفهوم التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، ثم اعداد البرامج التعليمية والتدريبية المتميزة وغير التقليدية لإشاعة ثقافة التوعية بالتعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، من حيث مفاهيم وأشكال التعليم الالكتروني وأهميته في ضوء التوجهات العالمية نحو «اقتصاديات المعرفة»، مع ضرورة ادخال مقررات ومناهج دراسية اجبارية في التعليم عن بعد في المدارس والجامعات لزيادة وعي الطلاب بقيمة التعليم الالكتروني، وضرورة التأهيل الجيد للأكاديميين والطلاب والإداريين على مهارات التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، وبخاصة تدريب وإعداد الطلاب على مهارات البحث المتقدمة في استخدام تقنيات الانترنت والاتصال المباشر المسموع والمرئي ومهارات البرمجة مثل تصميم صفحات الانترنت والمواقع الالكترونية ونشرها، والتي تعد ضرورية وأساسية للتعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، اذ يلاحظ أن أغلب الطلاب في عالمنا العربي وبخاصة بعض المبتعثين للخارج لا يمتلكون الا خبرات محدودة في مجال استخدام الكمبيوتر والانترنت، لا تتعدى القدرة على التصفح واستخدام محركات البحث والبريد الالكتروني ومنتديات الحوار والدردشة. مع ضرورة التنسيق الكامل والجاد بين المؤسسات التعليمية وهيئات ومؤسسات المجتمع الأخرى المعنية بشؤون التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد مثل هيئات ومؤسسات الاتصالات والمعلومات وغيرها من هيئات يمكن أن يكون لها دور في نجاح مثل هذا النوع من التعليم.

وأخيراُ، فإن التوسع في مشاريع التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد في عالمنا العربي، أصبحت ضرورة ملحة مع ثورة الاتصالات والمعلومات المذهلة، ولكنها تتطلب أيضاُ ضرورة عاجلة لتأهيل وإعداد الأكاديميين والطلاب والإداريين على نظم ومهارات هذا النوع من التعليم، لتحقيق الأهداف التعليمية المرجوة منه، ولتخريج أجيال تعليمية جديدة قادرة على المنافسة محلياً وعالمياً ولتعزيز فرص التعليم المستمر مدى الحياة وتنمية المهارات والمعلومات بأسلوب سهل في أي زمان ومكان.