التصميم التعليمي ودوره الفاعل في التعليم والتعلُّم الذاتي
صفحة 1 من اصل 1
التصميم التعليمي ودوره الفاعل في التعليم والتعلُّم الذاتي
التصميم: عنوان ينبئ عن العزم والإصرار على إتقان مهمة مطلوبة بشدة وإلحاح. و عندما يصمم المرء على فعل شيء إنما يدرك ويعي في البدء كل الوعي أبعاد ما يريد تحقيقه وأهميته، لذا يصمم على تنفيذه فيخطط ويدبر له التدبير الدقيق المحكم للوصول إليه., ويحاول بكل جهده أن يتفادى أدنى ثغرة مهما كانت ضئيلة قد تقدح في إحكامه وإتقانه الذي يتطلع إليه.
ومن المعنى اللغوي المتقدم الذكر تتضح لنا معالم المعنى الاصطلاحي لهذا العلم الحديث الذي كانت ولادته في السنوات الأخيرة من القرن المنصرم، وكلمة "تصميم" إنما أُخذت في الحقيقة من العلوم الهندسية والفنون ولذا يمكن القول بأن علم التصميم التعليمي هندسة تعليمية تجمع بين العلم والفن، والمنطق والمهارة، في الفنون يشار إلى التصميم على أنه إنجاز يجمع بين القوة والتماسك والصلابة لا يؤدي وظيفته التي أنشأ من أجلها فحسب، بل ليُدخل الجمال والسرور على النفس. فهو عملٌ يجمع بين القوة والجمال، والتصميم أيضاً يشبه إلى حد كبير تصميم المشروع (Blue Print) في الهندسة المعمارية، وهو من أول العلوم في مجال تكنولوجيا التعليم ظهوراً بل يكاد يمثل جماع المباحث التي يبحث فيها هذا العلم بدءاً من البحث والنظر في ترتيب وصوغ الأهداف الدقيقة، ووضع الاستراتيجيات المحكمة والمناشط المختلفة من إعداد وتوظيف للوسائل ومراجعة العناصر المختلفة من خلال ألوان التقويم المتنوعة ذات المحطات والمراحل المناسبة، والأهداف القريبة والبعيدة من هذا التقويم بغية الحصول على تغذية راجعة مثمرة تفيد التطور المضطرد نحو أقصى الغايات في الإتقان. ويؤكد على أهمية وأولوية التصميم الكثير من العلماء في مجال تكنولوجيا التعليم حيث يذكر (ويلدمان Wild Man):
· " أن مجال تكنولوجيا التعليم يقوم على أربعة أسس هي تصميم التعليم، مدخل النظم، ونتائج البحث في مجال الاتصال، وكذلك مجال البحث في علم النفس" 1.
نقف قليلاً لتتساءل عن ماهية التصميم؟
هل التصميم نظرية ذات فروض وتجارب ونتائج علمية؟
هل التصميم مجموعة من التدابير المحكمة لتوظيف الوسائل والأساليب لإثراء فاعلية العملية
التعليمة؟
أم هو علم يجمع بين النظرية والتطبيق في مجال التعليم؟
ولكي نجيب على هذه الأسئلة نستعرض معاً بعض التعريفات التالية:
· التصميم التعليمي نظرية تطبيقية ونماذج توظف نظريات التعليم والتعلُّم – فهو امتداد طبيعي لها.
· "طرق منظمة لعملية تصميم وتنفيذ وتقويم للعملية التعليمية بكاملها في ضوء أهداف محددة تقوم أساساً على نتائج البحوث في مجال التعليم والتواصل الإنساني مستخدمة جميع الوسائل البشرية وغير البشرية للحصول على تعلَّم أكثر كفاية وفاعلية"2
إذن التصميم التعليمي نهجٌ منظم يتبع أسلوب النظم القائم على النظرة الشاملة والفاحصة لكل عناصر الموقف أو المهمة وترتيبها في سياق عام بحيث تأتلف وتتوافق مع بعضها البعض دون تصادم وتفعّل بعضها البعض دون تصادم أو تناقض لإنجاز المهمة، والنظام عادة لابد أن يلتقي طرفاه كالحلقة أو العنصر الأخير بالعنصر الأول مؤثراً ومتأثراً فيعكس ترابطاً عضوياً يدور في مدار واحد لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف المهمة أو العملية التي يراد إنجازها.
· "التصميم التعليمي هو التخطيط – عبارة عن خطة ذات أهداف ومحتوى ومناشط ووسائل وأساليب تعليمية محددة وتقويمية مضبوطة مرتبطة ارتباطاً أساسياً بأهداف مدروسة". 3
· التصميم التعليمي خطة منظمة تسير على نمط منظم لتحقيق أهداف تعليمية محددة. 4
· وفي تعريف ينطلق من أسلوب النظم بوضوحأنه سياق يتبع خطوات مترابطة ترابط تصاعدي – تنازلي بمعنى أن الخطوة الأخيرة تؤدي إلى الخطوة الأولى). 5
وبما أن مجال تكنولوجيا التعليم يسعى لحل المشكلات ترتيباً على الأسلوب العلمي موظفاً في ذلك كل الطاقات والعناصر البشرية وغير البشرية بغية الوصول إلى أفضل الحلول، ثم متابعة التطوير لهذه الحلول بهدف التجويد والإتقان إلى أقصى المستويات الممكنة، لذا يمكن القول بأن التصميم التعليمي الذي ينطلق من إطار ومجال تكنولوجيا التعليم إنما وظف في البداية لحل مشكلات التدريس في قاعات الدراسة، ولذا أطلق عليه في البداية "التصميم للتدريس" ونجد هذا العنوان مشاعاً في المراجع والكتب ذات العلاقة إلى يومنا هذا.
وهو في خلاصته علم يجمع بين النظرية والتطبيق في مجال التعليم، ويتيح التقويم الدقيق المثمر من خلال التنظيم الدقيق المرتكز على أهداف محددة بوضوح يسهل قياسها وتقويمها.
لقد لاحظ الكثير من علماء التربية مدى العشوائية في التدريس داخل القاعات والفصول، ومن ذلك أن لكل معلم قواعد وأصول ينطلق منها دون غيره، بل لكل معلم طريقته الخاصة به، كما وجد علماء التربية أن المخرجات غالباً ما تتناقض مع المدخلات والتوقعات المرجوة، ومن هذا الباب دخل التصميم التعليمي الصفوف الدراسية بهدف توفير نظام دقيق يتبع أهدافاً محكمة تكشف عن المتغيرات المطلوبة في سلوك الطلاب، وتتقدم العملية التعليمية – التعلُّمية ككل وفق استراتيجيات ومناشط محسوبة لتحقيق النتاج المتوقع، ولقد تخلص التصميم كثيراً من العشوائية والارتجالية وتجاوز كثيراً من المواقف والخطوات التي كانت تترك للمصادفة دون إعداد وتدابير منظمه تمكن من التحكم والسيطرة على المواقف التعليمية.
ومما تبع التصميم ولازمه إعداد النماذج والخرط الخاصة به لكي تقود المعلم قيادة سلسة محكمة فلا يحيد عن الهدف، ولا يؤول الأمر إلى اضطراب يُفضي إلى ضياعٍ للجهد والوقت، وبما أن جوهر تكنولوجيا التعليم بصفة عامة يتمثل في حل المشكلات في مجال التعليم ثم الترقي في تطوير هذا الحل - كما ذكرنا عدة مرات -، فقد طُوِّع التصميم ليخدم أنماط وأنظمة تعليمية أخرى خارج الصفوف ومن أهم هذه الأنظمة (التعليم عن بعد) و (التعليم المفتوح)، ومعالجة (صعوبات التعلُّم) وقد تمثل ذلك في تصميم الوحدات الصغيرة فيما أشتهر (بالحقائب التعليمية)، ثم ولج التصميم جميع البرامج والوسائط التعليمية حيث انكشفت فعاليته وأثره العميق في نجاعة التطبيق وتجويد الأداء والحصول على المخرجات المطلوبة، وعلى الرغم من تعدّد وتنوع المواقف والمراحل التي يوظف فيها التصميم، إلا أن جوهر ونهج وأسلوب التصميم لا يتغير كثيراً في كلٍ منها، ومع اتجاه الاستراتيجيات الجديدة إلى التعلُّم الذاتي في العالم أجمع أضحى تصميم المقررات والمناهج يسعى إلى تحقيق هذا النمط (أي التصميم بمعايير التعلم الذاتي)، وأبرز ما يكون ذلك في تصميم المواد التعليمية للجامعات المفتوحة التي يرتكز نظامها بصفة جوهرية على (التعلُّم الذاتي)، ولقد نجح هذا التصميم نجاحاً واضحاً كما أثبتت التجربة، وأصبح يُعتمد ويعوّل عليه بدرجة تكاد تكون كاملة في إيصال المادة التعليمية، وتُعد "المادة المطبوعة" في المقام الأول من سلسة الوسائط التعليمية التعلُّمية التي تعتمد عليها الجامعات المفتوحة في نشر المحتوى التعليمي، وتنفيذ البرامج التعليمية المختلفة، وذلك كأساس ومحور تدور عليه بقية الوسائط وتكمله وتتكامل معه. لذا اهتمت هذه الجامعات بجانب تصميم المادة التعليمية أيما اهتمام، وبذلت كل ما في وسعها للارتقاء به وتطويره من آن لآخر حتى يلبي حاجات وقدرات الدارسين ويحقق التقدم الكافي والمرغوب فيه نحو الأهداف المرصودة، ومن الملفت للنظر أن كثيراً من الدول اتخذت من تصميم الكتاب وفق معايير التصميم للتعليم عن بُعد حتى في المراحل العامة (الثانوية والإعدادية، والأساس) على الرغم من أن التعليم يكون في هذه المراحل تعليماً وجاهياً، إلا أن التصميم بمعايير التعلُّم الذاتي ثبت أنه جد نافع للدارس منذ مراحله الأولى يمكن أن نلخص ذلك في الآتي:
يربي في المتعلم الثقة في النفس.
يشجع على البحث والاستقصاء.
يقوي علاقاته بمصادر أخرى غير الكتاب، ويُبَّصره بمصادر التعلُّم الحديثة.
يتدرب الدارس من خلاله على حل المستعصيات والمشكلات بالاعتماد على نفسه.
يتمكن من الاستذكار بنفسه دون إجهاد لأسرته أو أطراف أخرى.
يرتقي بمهاراته المختلفة في التلخيص والتعليق والتوثيق وجمع المعلومات.
يجعل من التعلُّم والتعليم متعة وسياحة وليس واجباً ثقيلاً على النفس.
يوفر الوقت والجهد للمعلم والمتعلم من خلال وضوح الأهداف لكل منهما، والإعداد والتخطيط الجيد عبر خارطة واضحة المعالم لبلوغ وتحقيق هذه الأهداف.
جودة الاتصال والتواصل بين المادة التعليمية والمعلم والمتعلّم.
التطوير المستمر لكل عناصر التصميم من خلال تقويم متنوع شامل لكل المراحل والمواقف، مما يثمر الفائدة المرتدة أو الرجع النافع المثمر أو كما يسمى بالتغذية الراجعة في كثير من الكتب والمراجــع، وهذه الفائدة المرتدة تسهم بقدر عظيم في التقدم والارتقاء سواء كانت سلباً أو إيجاباً، ففي خاتمــة المطاف تسهم في تلافي الثغرات وسد الخلل أو الانطلاق من الجيد إلى مستوى أكثر جـودةً وإتقانــاً.
وخلاصة القول أن: (التصميم يسهِّل كثيراً القدرة على التحكم في كل عناصر العملية التعلّمية ســواء كانت داخل الصف أو من خلال الوحدات المصممة لدارس التعلّم الذاتي).
معايير التصميم التعليمي
سوف نركز على المعايير الخاصة بالتعليم عن بعد، لما ذكرناه آنفاً أنه لا يوجد اختلاف عميق أو جوهري بين معايير التصاميم في أساليب وأنماط التعليم المختلفة، ولأن التصميم في مجمله يخدم اتجاه التعلُّم الذاتي، كما أن التصميم التعليمي في كثير من المراحل اتجه بدرجات متفاوتة لخدمة هذا الاتجاه وتنميته لدى الدارسين منذ المراحل الأولى.
وقبل أن نستعرض هذه المعايير، ينبغي أن نضع نصب أعيننا الآتي:
1) أن المادة التعليمية المطبوعة هي مادة معلِّمة، بمعنى أن الدارس ينتظر أو يفترض أن المعلم مبثوث في ثناياها، وموجود عبر أقسامها ومراحلها يقوده ويعينه في بلوغ الأهداف المرصودة في بداية كل وحدة.
2) أن الدارس لهذه المادة يعالج وحداتها وفقراتها في غالب الوقت ومعظمه بمفرده، ولذا يعاني عزلة ووحدة تجعل من المادة أكثر جفافاً وصعوبة على النفس، بالمقارنة مع الدارس لها في النظام المقيم، وعليه لابد من إتاحة حلول ومعينات وملطفات تُيّسر وتسهل عليه مهمته التعلَُمية.
3) أن الدارس لكي يمضي قدماً في المادة لابد له أن يتمرس على التقويم حتى يصبح قادراً على تقويم ذاته بذاته في المقام الأول، ثم يأتي بعد ذلك تقويم ومتابعة المؤسسة التي تُعينه على التعلُّم الذاتي.
في ضوء ما تقدم فإن فريق التصميم التعليمي في مؤسسات التعليم عن بُعد أو الجامعات المفتوحة يقع على عاتقهم عبئاً عظيماً، ويضم هذا الفريق:
1. مُعد المادة أو المؤلف.
2. المصمم التعليمي.
3. المحرر اللغوي.
4. المصمم الفني
5. مجموعة التحكيم (محكمي المادة التعليمية، واللغة، والتصميم).
وقد تجتمع هذه الفئات على العمل، وقد ينجزوا أعمالهم منفردين، لكنهم بالتأكيد يلتقون من خلال المادة وأثناء تداولها بينهم قبل الإخراج النهائي.
في البدء نشير إلى أن المادة المكتوبة تقسم إلى وحدات صغيرة – وهذه الوحدات يطلق عليها (Chunks)، (Units)، والمشهور فيها (Modules)، أما في جامعة لندن المفتوحة تُسنى هذه الوحدات الصغيرة (Blocks) وقد قُصد بتقسيم الموضوعات في وحدات صغيرة تيسير وتذليل دراستها واستيعابها.
ميادة محمد الشربيني علوم- المساهمات : 20
تاريخ التسجيل : 24/11/2013
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى